الآية السابعة عشرة:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)}.{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: خطاب لجميع المؤمنين.{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}: وقد تقدم الميسر في البقرة.{وَالْأَنْصابُ}: هي الأصنام المنصوبة للعبادة.{وَالْأَزْلامُ}: قد تقدم تفسيرها في هذه السورة.{رِجْسٌ}: يطلق على العذرة والاقذار، وهو خبر الخمر، وخبر المعطوف عليه محذوف.{مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ}: صفة لرجس، أي كائن من عمل الشيطان، بسبب تحسينه لذلك وتزيينه له.وقيل: هو الذي كان عمل هذه الأمور بنفسه، فاقتدى به بنو آدم، والضمير في: {فَاجْتَنِبُوهُ}، راجع إلى الرجس أو إلى المذكور.{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} علة لما قبله.قال في الكشاف: أكد تحريم الخمر والميسر وجوها من التأكيد، منها تصدر الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام، ومنه قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «شارب الخمر كعابد الوثن»، ومنها أنه جعلهما رجسا كما قال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} [الحج: 30] ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، لا يأتي منه إلا الشر البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب، ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة ومحقة، ومنها أنه ذكر ما ينتج فيهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر اللّه، وعن مراعاة أوقات الصلوات. انتهى.وهذه الآية دليل على تحريم الخمر، لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد، ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس، فضلا عن جعله شرابا يشرب.قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم: كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة، لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم، فأول ما نزل في أمرها: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219]، فترك عند ذلك بعض المسلمين شربها، ولم يتركه آخرون، ثم نزل قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى...} [النساء: 43]، فتركها البعض أيضا، وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها البعض في غير أوقات الصلاة حتى نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ...}، فصارت حراما عليهم حتى كان يقول بعضهم: ما حرّم اللّه شيئا أشدّ من الخمر وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر، وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها، وأنها من كبائر الذنوب.وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعا لا شك فيه ولا شبهة.وأجمعوا أيضا على تحريم بيعها، والانتفاع بها، ما دامت خمرا.وكما دلت هذه الآية على تحريم الخمر، دلّت أيضا على تحريم الميسر والأنصاب والأزلام.وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما ذكرناه.وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم الخمر وشاربها، والوعيد الشديد عليه، وأن كل مسكر حرام، وهي مدونة في كتب الحديث فلا نطول المقام بذكرها، وقد بسطنا الكلام عليها في شرحنا مسك الختام لبلوغ المرام فليرجع إليه.